القمع الرقمي أثناء الحرب: مساهمة ميتا في الرقابة والتحيُّز ضد الفلسطينيين في تشرين الأول 2023
في خضم الهجمات المروِّعة على قطاع غزة، وتكثيف حملة قمع الشعب الفلسطيني، أثبتت منصات شركة ميتا مرة أخرى أنها ليست آمنة للفلسطينيين/ات. وفي الوقت الذي قتل فيه أكثر من 10 آلاف فلسطيني وفلسطينية، أربعة آلاف منهم أطفال، وذلك خلال شهر واحد، استمرت ميتا بإلحاق الضرر بالحقوق الرقمية الفلسطينية.
خلال الشهر الأول من الأزمة، سجَّل المرصد الفلسطيني لانتهاكات الحقوق الرقمية (حُرّ) 879 انتهاكا تم التحقق منه، للحقوق الرقمية الفلسطينية عبر منصات ميتا . وشملت الانتهاكات 336 حالة رقابة و543 حالة خطاب كراهية أو تحريض على العنف أو أشكال أخرى من المضايقات عبر الإنترنت.
مرة أخرى، نجد أن منصات ميتا تساعد في الجهود الرامية إلى تجريد الشعب الفلسطيني من إنسانيته، وإسكات الأصوات الفلسطينية، وعمل رقابة مفرطة على المحتوى الفلسطيني بشكل غير متناسب. وفي الوقت نفسه، تسمح ميتا بالخطاب العنصري والتحريض على العنف باللغة العبرية، والذي يتحوّل إلى عنف في العالم الحقيقي.
على مدى الهجمة الإسرائيلية عام 2023، تواجه الأصوات الفلسطينية وخاصة أصوات الصحفيين/ات والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان، رقابة كبيرة ومفرطة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي التابعة لشركة ميتا. هذا لا يقيد حرية التعبير فحسب، بل يعيق أيضا الوصول إلى المعلومات. ويتجلّى إسكات الأصوات الفلسطينية في عدة أشكال، على سبيل المثال، قامت ميتا على الفور بفرض رقابة على الهاشتاغ العربي #طوفان_الاقصى في اليوم الأول من التصعيد لكنها لم تفعل ذلك مع الهاشتاغ الموازي باللغة العبرية #חרבות_ברזל لأنه لم ينظر إليه على أنه ينتهك سياساتها. علاوة على ذلك، كانت هناك تقارير كثيرة عن تأثير الحظر الخفي على المحتوى الفلسطيني. وهذان مثالان فقط على الطرق العديدة التي يتم بها إسكات الأصوات والروايات الفلسطينية وفرض الرقابة عليها خلال فترة الأزمات.
كانت أحد الأسباب الرئيسية وراء المبالغة في فرض الرقابة على المحتوى الفلسطيني منذ السابع من تشرين الأول، هو أن الشركة "خفضت الحد الأدنى" للثقة الذي تتطلبه أنظمتها الآلية قبل التعامل مع المحتوى العربي/الفلسطيني على وجه الخصوص، من نسبة 80٪ إلى 25%.
تؤدي الرقابة المفرطة إلى تقييد وصولية المحتوى الفلسطيني في بعض الحالات، بحيث يمكن أن يتم تعليق المستخدمين بشكل كامل (بما في ذلك الصحفيين/ات والناشطين/ات والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان) على منصات التواصل الاجتماعي. ولا تزال وسائل الإعلام الفلسطينية والدولية تتعرَّض لإزالة المحتوى وتقييد الحسابات على إنستغرام وفيسبوك -من منصات ميتا-، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، شبكة راديو أجيال، 24FM، موندويس Mondoweiss، بوابة اللاجئين الفلسطينيين، وحسابات الصحفيين مثل فاتن علوان ومعتز عزايزة. وفي حين يمكن لمنظمات المجتمع المدني المتابعة مع شركة ميتا على أساس كل حالة على حدة من أجل ضمان عدم استهداف المحتوى الفلسطيني بشكل مفرط من خلال التطبيقات الآلية لأدوات إدارة المحتوى، بحيث أن العملية نفسها غير مستدامة ومفرطة ولا يمكنها إحداث تغيير دائم.
وفي العديد من الحالات التي تم فيها تقييد حسابات الصحفيين/ات أو تعرض فيها المحتوى للحذف بسبب انتهاك سياسة لمنظمات والأشخاص الخطيرين (DOI) كانت بسبب نقل الأخبار باللغة العربية و/أو من قطاع غزة. وقد شرح رئيس تحرير 24FM، إيهاب الجريري، لقناة الجزيرة كيف ينشرون المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي بثلاث لغات: العربية والإنجليزية والعبرية. ومع ذلك، تم تقييد المحتوى العربي فقط، في حين لم تتأثر نفس التقارير الإخبارية المكتوبة باللغتين الإنجليزية والعبرية.
تشمل ملاحظات أخرى حول قضايا "الحظر الخفي" أو الوصول المحدود وجود عدد منخفض من المشاهدات على القصص من قبل المؤثرين أو يتم وضع قصصهم في النهاية تلقائيًا لأنهم يشاركون محتوى أخبار من صفحات أخرى. والعذر الذي تقدمه ميتا لهذا النوع من القضايا في عام 2023 هو فسه الذي قدمته الشركة عندما تمت ملاحظة أمور مماثلة خلال أيار 2021 حيث قالت الشركة إنها مشكلة عالمية تؤثر على المستخدمين بشكل متساوٍ.
إضافة إلى ذلك، اتخذت ميتا إجراءات في إعدادات التعليقات التي أثرت مباشرة على المحتوى الفلسطيني خلال هذه الأزمة. حيث قامت ميتا بتغيير الإعدادات الافتراضية لجميع المستخدمين في المنطقة من "عام" إلى "الأصدقاء فقط"، وهو ما يبدو أنه يهدف إلى تقييد وصول المنشورات العامة. بنفس النحو، قاموا بتغيير إعدادات التعليقات بحيث يمكن للأشخاص الذين كانوا أصدقاء أو متابعين للصفحة لأكثر من 24 ساعة فقط التعليق. في بعض الأحيان، قاموا في الواقع بتعطيل القدرة على التعليق بسبب أنشطة غير محددة "لحماية مجتمعنا". وعلاوة على ذلك، لاحظ المستخدمون أن التعليقات التي تحتوي على رمز علم فلسطين كانت تُخفى بدون سبب واضح. ومع ذلك، تم تقديم تقارير تفيد بأن ميتا بدأت تعتبر رمز علم فلسطين "رمزًا سلبيًا/مؤذيًا"، وبالتالي تخفي تلقائيًا التعليقات التي تحتوي على العلم بدلاً من حذفها.
طوال شهر تشرين الأول من عام 2023 ، انتشر خطاب الكراهية والتحريض على العنف الذي استهدف الفلسطينيين/ات بشكل كبير على مختلف منصات ميتا. وقدمت الشركة التزامات بمكافحة مثل هذا المحتوى المؤذي، لكن تطبيق هذه الالتزامات لم يتم فعليًّا إلى حد كبير. لقد صرحت وثائق ميتا الداخلية أن مصنفات المضامين العدائية باللغة العبرية لم تكن فعالة كما ينبغي وذلك لافتقارها البيانات الكافية للتعامل بشكل فعال مع المحتوى العدائي، وقد كانت الأمثلة على خطاب الكراهية والتحريض على العنف باللغة العبرية صارخة للغاية، فعلى سبيل المثال، قام بعض المستخدمين/ات الإسرائيليين/ات بإضافة عبارة "الموت للعرب" إلى أسماء ملفاتهم الشخصية على فيسبوك دون أن يتعرضوا لأي عواقب. وفي سياق مماثل، لا تزال بعض الهاشتاغات مثل "محو غزة" مستخدمة على إنستغرام -أحد منصات ميتا- دون رقابة على الرغم من أنها عنيفة وموجَّهة ولها تبعات في العالم الحقيقي. وعلى الجانب الآخر، فرضت ميتا الرقابة فورًا على هاشتاغ "#طوفان_الاقصى" باللغة العربية منذ اليوم الأول من التصعيد ولم تفرض أي رقابة على الهاشتاغ المقابل باللغة العبرية "#חרבות_ברזל" لأنه لم يُنظَر إليه على أنه انتهاكٌ لسياستها.
بالإضافة إلى إسكات الفلسطينيين وانتشار خطاب الكراهية والتحريض باللغة العبرية، أضافت أنظمة الذكاء الاصطناعي التابعة شركة ميتا مشكلة أخرى إلى المشاكل السابقة، بإساءتها للفلسطينيين وتجريدهم من إنسانيتهم. حيث أنه في الآونة الأخيرة، يتم إنشاء ملصقات لأطفال يحملون أسلحة على "واتساب" -أحد منصات ميتا- عندما يقوم المستخدم باستخدام كلمة "فلسطيني" لإنشاء ملصقات باستخدام الذكاء الاصطناعي، كما قام نموذج الترجمة القائم على الذكاء الاصطناعي على منصة "إنستغرام" التابعة أيضا لميتا- باستبدال "Palestinian الحمد الله" (فلسطيني الحمد الله) تلقائيًا بـ "Palestinian Terrorist" (إرهابي فلسطيني) على الصفحة الشخصية للمستخدمين. تشير كلتا الحالتين إلى مشكلة مستمرة حيث تولد نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بشركة ميتا نتائج تجرد الفلسطينيين/ات من إنسانيتهم/هن بسبب التحيز في مجموعات بيانات التدريب.
تنتشر المعلومات الكاذبة و المضللة على منصات ميتا انتشارًا واسعًا ، ويؤثر ذلك بشكل كبير على حرية التعبير والوصول إلى المعلومات الصحيحة، فضلاً عن حق الأمان خلال فترة الأزمات. منذ بداية التصعيد، تم توثيق جهود لنشر المعلومات الكاذبة ونشر الكراهية والتحريض على العنف ضد الفلسطينيين/ات. ويتم استخدام هذه المعلومات الكاذبة للتلاعب بآراء المواطنين/ات في أنحاء العالم وتشتيت انتباههم عن ما يحصل على أرض الواقع، إضافة إلى ذلك يتم استخدام هذه التضليل لتبرير العقوبات الجماعية ضد الفلسطينيين/ات الذي يرافقه غالباً تحريض على العنف. سرعان ما تباهت ميتا بأنها لديها "أكبر شبكة للتحقق من الحقائق بواسطة طرف ثالث على أي منصة" ، ولكن مع عدد الاتهامات الباطلة التي انتشرت بشكل كبير عبر منصاتها طوال شهر تشرين الأول، يبدو أن جهودها لا تزال غير كافية.
على الرغم من التحذيرات المتكررة، لم تكشف شركة ميتا حتى الآن عن البيانات المتعلقة بالطلبات الطوعية لإزالة المحتوى الداعم لفلسطين المقدمة من وحدة الإحالة على الإنترنت في إسرائيل المعروفة باسم "الوحدة السيبرانية". من المهم ملاحظة أن ميتا ليس لديها التزام قانوني بالامتثال لهذه الطلبات، ولا يوجد أي عائق يمنعها من نشر البيانات المتعلقة بالطلبات ومعدل الامتثال لها. ومع ذلك، تقدم الوحدة السيبرانية تقارير عن طلباتها لميتا بين الحين والآخر. خلال الأيام الأولى للأزمة، قدمت الوحدة السيبرانية الإسرائيلية 2,150 طلبًا إلى فيسبوك -أحد منصات ميتا-، ووفقًا لممثل الوحدة، امتثلت ميتا لنسبة 90٪ من طلبات حذف المحتوى. من الجدير بالذكر أيضًا أن الوحدة السيبرانية تنسب الفضل لنفسها في طلب الرقابة على الهاشتاغات الناقدة، بما في ذلك الهاشتاغ العربي "#طوفان_الاقصى" على منصات ميتا، والذي ذكرناه سابقًا.
من المفترض أن تلتزم شركة ميتا بشكل علني بتوفير شفافية كاملة بشأن جميع الطلبات التي تقدمها الحكومات، سواء كانت قانونية أو طوعية، والتي تقدمها الحكومة الإسرائيلية والوحدة السيبرانية الإسرائيلية، وجميع وحدات الإحالة الحكومية على الإنترنت (IRUs) ويجب أن تشمل هذه الشفافية النطاق الكامل للبيانات المتعلقة بكل طلب، إضافة إلى الإجراءات اللاحقة من قبل ميتا. واستنادًا إلى الجمع بين استخدام حكومة إسرائيل وسائل التواصل الاجتماعي لقمع النشاط السياسي للمجتمع الفلسطيني ، وتزايد تأثير وحدات الإحالة على مراقبة المحتوى ، يستحق جميع المستخدمين مزيدًا من المعرفة والفهم لحقيقة علاقة ميتا بالجهات الحكومية.
في النهاية، على شركة ميتا أخذ إجراءات فورية وحاسمة لإعادة تصويب التحيّز المتجذر الذي تعاني منه منصاتها، بدءا من التجريد من الإنسانية من خلال الذكاء الاصطناعي، إلى فرض الرقابة المفرطة على المحتوى الفلسطيني، وفي سياق هذه الحرب المستمرة وغير المتكافئة، والمليئة بالانتهاكات الصارخة لاتفاقيات جنيف، تخاطر الشركة بأن يُنظَر إليها على أنها متواطئة وتنتهك الحقوق والحريات الأساسية المعترف بها دوليا للفلسطينيين/ات وجميع المستخدمين/ات.